لما توقف المسار الرياضي لعلال المدفع سعى أحد المشرفين على الملاكمة الى توظيفه ضمن الشرطة المغربية. تمت تعيينه في مفاوض العرائش. نحن في العام ثمانيةٍ وخمسين تسعمائةٍ والف. بعد مرور خمسة عشر عاماً على استقراره في العرائش لم يعد لديه ذاك الصيت الذي كان له. انغمس في عالم الخمور الى حد الادمان. ثم اضاف الى الخمر اصنافاً شتى من المخدر صار شخصاً غير مرغوبٍ في مجالسته. انفض من حوله من كانوا يحرصون على القرب منه. صباح السادس عشر من غشت عثر عليه جثةً هامدةً قرب الشاطئ. بالقرب من الجثة عثر على خرطوشتين فارقتهم. ملفاتٌ بوليسية. قصصٌ من ملفات الشرطة المغربية. كتبها الأستاذ عبد اللطيف بوحموش. صغار هذه الاذاعة ويقدمها عبدال بنعيشها. ملفاتٌ بوليسية القصص التي نقدم لكم من صلب الواقع. تعمدنا تغيير أسماء الأشخاص واحياناً والأماكن. وإذا ما وقع تشابهٌ أو تطابقٌ في الاسماء او الوقائع فانه من باب الصدفة ليس الا. ملفاتٌ بوليسية. نهاية بطل الحلقة الاولى. يذكر الذين لهم اهتمامٌ تاريخ الملاكمة في المغرب بطلاً من خمسينيات القرن الماضي اسمه علال المدفع. يذكرون أن علال فاز ثلاث مراتٍ ببطولة المغرب وكاد يحرز لقباً عالمياً لولا أن خصمه عاجلة بضربةٍ قاضية. يقول الذين اهتموا بالمسار الرياضي للرجل أن تلك الضربة بالذات كانت خاتمة تألق علال المدفع الذي كان في جملة اسماءٍ ساهمت في التأسيس لامجاد الرياضة المغربية من أمثال العربي بن مبارك والعربي الزروالي والكرش وآخرين. لما توقف المسار الرياضي لعلل المدفع سعى أحد المشرفين على الملاكمة الى توظيفه ضمن الشرطة المغرب في الحقيقة كانت اللياقة البدنية لهذا البطل قد ساعدته على ولوج أسلاك الشرطة. كان ذا قامةٍ طويلة وبنيةٍ جسمانيةٍ قوية. بعد أن خضع لتدريبٍ لبضعة أشهر تم تعيين علال المدفع في مفوضية الشرطة نحن في العام ثمانيةٍ وخمسين تسعمائةٍ وألف كان على المدفع في ربيعه السابع والعشرين. الذي لم يكن العام ما يعلمونه عن البطل علال أنه كان يتعاطى المنشطات. كان مدمناً على تناولها حتى بعد توقفه عن الملاكمة. لعل ذلك كان يساعده في الظهور بمظهر البطل الذي لا يهزم. في الحقيقة وإن بشكلٍ غير مباشر ساعد ذلك مفوضية شرطة العرائش على استتباب الأمن. فكثيرٌ من المنحرفين والمجرمين يعلمون ما الذي يعنيه وقوع في قبضة علال المدفع. ولذلك لم يكن لهم أن يجرؤوا على تحديه. بعد مرور خمسة عشر عاماً على استقراره في العرائش. لم يعد لدى علال المدفع ذاك الصيت الذي كان له. الجيل الجديد لا يعرف عنه الكثير. وكثيرون هم الذين يصادف في طريقهم ولا يعرفونه. سارة نكرة. لم يستطع تحمل وضعه الجديد. انغمس في عالم الخمور الى حد الادمان. ثم اضاف الى الخمر اصنافاً شتى من المخدرات. صار شخصاً غير مرغوبٍ في مجالسته. انفض من حوله من كانوا يحرصون على القرب منه. حتى زوجته تخلت عنه اذ لم يكون انجب. تلاشت بنيته الجسمية التي منحته لقب المدفع. صار نحيفاً وتراجع أداؤه كشرطي. لم يعد أجره الشهري يكفيه زاد إنفاق الخمر والمخدرات. ولم يعد قادراً على دفع واجب كراء المنزل الذي كان يسكنه. قادة صاحب المنزل وحكم عليه بالإفراغ. صار مشرداً لا سكن قارة له. يتسكع في الطرقات ويقضي الليل برفقة متشردين يعاقرون ويتناولون المخدرات. وكثيراً ما تغيب عن العمل ليومٍ أو يومين. وكثيراً ما اكتشفته دوريات الشرطة ليلاً مع مجموعةٍ من المتسكعين. وبسبب الحال الذي آل إليه تقرر تعيينه في مصالح ادارية لا صلة له فيها عموم. ولما زادت هفواته وأخطائه هم المسئول الاول عن الامن في العرائش بان يطلب احالة علال المدفع على التقاعد. ولكن بعض زملائه تدخلوا المستعطفين بعد أن حصلوا على وعدٍ من علال بالإقلاع عن تناول الخمر. والتعاطي للمخدرات. و مساعدته بعدما ابدى التزاماً بوعده تم استئجار غرفةٍ له في أحد الفنادق. يتم اقتطاع كلفتها من أجره الشهري. لم يعد علال المدفع متشرداً الآن. صارت له غرفةٌ يأوي اليها. وكان زملاؤه عرضوه على طبيبٍ نفساني وصف له دواءً يساعده على التخلص من الادمان. خلال بضعة اسابيع نزعت حالة علال المدفع الى التحسن. كذلك كان يبدو الامر غير ان حدثاً هاماً جاء ليعيد علال الى ما دون المربع الأول فقد علم أن مطلقته تزوجت احد اصدقائه القدامى. كانت صدمةً قويةً تلقاها على المدفع الذي ظل مغرماً بمطلقته يهيم بها حباً عشقا. عاد إلى إدمان الخمر والمخدرات. كان يوهم نفسه بأن الإغراق في تناول المخدرات سينسيه نكبته الجديدة. عاد الى التسكع والتشرد. وتحلق حوله متشردون كثيرون كانوا يجدون في رفقته حمايةً لهم ومناعةً من الوقوع في شباك دوريات الليل التي كانت تقوم بها الشرطة.ما كان رجال الدوريات يغضون الطرف على اولئك المتسكعين حينما يجدونهم برفقة علال المدفع. كان زملاؤه يحترمون ماضيه. كانت العرائش كما مدنٍ اخرى تعاني من قلة رجال الأمن. كان الخصاص يبدو مؤثراً شكل خاص خلال العطل الصيفية. وكانت مفوضية الشرطة تلجأ خلال تلك الفترات الصعبة الى تعبئة كل مواردها البشرية. لم يكن يتاح لأجلهما الاستفادة سوى من عطلةٍ اقصاها اسبوعان. كانت مفوضية الشرطة في العرائش مضطرة الى الاستعانة بكل العناصر حتى تلك التي توجد في وضعيةٍ خاصة كما هو حال علال المدفع. كان القائمون على المفوضية يعتقدون أن علال يواظب على تناول الدواء الذي وصفه له الطبيب. كان زملاؤه يرونه يتناول حباتٍ كانت يحسبونها دواءً بينما كان هو يتناول حباتٍ مخدرة. تمت المناداة على علال وسلم مسدساً شخصياً التزم بإيداعه لدى مخازن الاسلحة عند نهاية كل يومٍ من أيام العمل. غير انه لم يوفي وظل يحمل معه مسدسه في كل الأوقات. كان يتباهى به حين يلتقي رفقته من المتسكعين. كان من حينٍ لاخر يخرج المسدس ليراه الآخرون ويوقن بأنه شرطيٌ في الخدمة. في ليلة الخامس عشر من غشت من العام وسبعين تسعمائةٍ وألف كان علال المدفع برفقة جماعةٍ من رفاقه المتسكعين بالقرب من ميناء العرائش. كانوا كذبهم يشربون الخمر ويتناولون المخدرات. بعيد العشاء جاءتهم امرأة. كانت زوجةً لصديقٍ لهم يدعى باستوس كانت تبحث عنه إذ لم يأت الى البيت منذ يومين. ولما لم تعثر عليه معهم طلبت منهم أن يدلوه على المكان الذي قد يكون فيه. قام من بين المجموعة واحدٌ يطلق على نفسه اسم لاتجودان. قال للمرأة أنه سيرا الى حيث تجد زوجها. كان علال المدفع يتابع ما يجري من زاويةٍ مظلمة. ولما رأى المرأة تتبع لاتجودان في مسالك مظلمة ايقن انه يريد اغتصابها. اقتفى أثرها. وفجأةً رآه يخرج سكيناً ويه به المرأة. كان يريد اغتصابها. اسرع الخطى وحاول أن يحول بين لاجودان والمرأة زوجة. مصراً. استغلت المرأة انشغاله بصد علال وتمكنت من الفرار. كان علال قد لتوه مسدسه وصوبه الى لاتجودان. ومع التباشير الاولى للصباح بدأ المصطافون يتدفقون على الشاطئ تم اكتشاف جثة رجل. لما حضر رجال الشرطة لم يصعب عليهم التعرف على جثة علال المدفع. كانت وسط بركةٍ من الدماء. برأسه جرحٌ غائر. حملت الجثة الى المشرحة. وقد مكنت المعاينة التي قام بها الباحثون من العثور على خرطوشتين فارغتين تحملان علامة الأمن الوطني. ايقنوا ان علال المدفع قتل بسلاحه الشخصي. لم يعثروا على المسدس. وصار على المحققين أن يعملوا على كشف حقيقة ما جرى. كان المشكل الأكبر الذي يواجهونه يتجلى في العثور على المسدس الذي قد يستعمله قاتل علال في جرائم أخرى. تم القبض على عددٍ كبيرٍ من المتسكعين. ومع ذلك لم يتم التوصل الى معرفة الذي حدث في ليلة منتصف غشت. ثلاثة ايامٍ بعد مقتل علال المدفع. في الثامن عشر من غشت ثلاثةٍ وسبعين تسعمئةٍ والف جاء الى مفوضية بالعرائش أحد المتسكعين ممن لم يتم القبض عليهم. قال إنه يريد مقابلة الشرطي علال. وكان ذلك كافياً ليتم القبض عليه وتقديمه امام عميد الشرطة. لما سئل عن السبب وراء سعيه الى مقابلة علال وقد أنه لم يكن يعلم بمقتله قال انه اراد ان يشكره على ما قام به تجاه زوجته. قص البشتوس على العميد ما روته له زوجته التي قالت إن علال انقذها من مجرمٍ كان يريد اغتصابها. رأى العميد أن في كلام الباسط نقله عن زوجته ما قد يقود الى قاتل علال المدفع والذي يحمل سلاحه الشخصي. غداً نكمل القصة. ملفاتٌ بوليسية