طقت البصمات هوية صاحبة الجثة يتعلق الأمر بعتيقة براجي مضيفة الطيران المولودة بفاس في العام ثمانين تسعمائةٍ والف. كان قال في موقفٍ حرج. صار من المشتبه فيهم. إذ اكتشفت لديه نسخةٌ من مفتاح الشقة. ربما كان الحال اهون عليه لو تعلق الأمر بسرقة. تأكد الآن أن المرأة الشابة انما ماتت اختناقاً خنقها قاتلها بستار الحمام. أمر العميد بنقل البقال ومساعده الى المفوضية. يتعين الحصول على بصمته الجينية للتحرير. ملفاتٌ بوليسية. قصصٌ من ملفات الشرطة المغربية. كتبها الأستاذ عبداللطيف بوحم هذه الاذاعة ويقدمها عبد الصادق. ملفات بوليسية القصص التي نقدم لكم هي من صلب الواقع تعمدنا تغيير أسماء الأشخاص واحياناً والاماكن واذا ما وقع تشابهٌ أو تطابقٌ في الاسماء او الوقائع فانه من باب الصدفة ليس الله. ملفاتٌ بوليسية. جثةٌ في شقةٍ مشتركة. الحلقة الثانية والأخيرة. توصلت مصلحة التشخيص القضائي بولاية من الدار البيضاء الى تحديد هوية الجثة التي تم اكتشافها في عاشر يوليوز من العام عشرة وألفين في شقةٍ بعمارةٍ تقع في شارع الزرقطوني. مساء ذلك اليوم وقف بباب مكتب العميد محمد العمري عونٌ من مصلحة التشخيص القضائي وبيده تخص الضحية. في نهاية المطاف تسنى رفع بصمات الجثة وإن بصعوبة بالنظر الى الحالة التي كانت عليها. نذكر ان ما اثار الانتباه الى وجودها في الشقة الرائحة الكريهة التي كانت تنبعث منها. نطقت البصمات بهوية صاحبة يتعلق الأمر بعتيقة بن راشد. وهي شابةٌ من مواليد فاس في الخامس والعشرين من مارس من العام ثمانين تسعمئةٍ والف تقيم في حي بوسيجور بالدار البيضاء. ومهنتها مضيفة طيران كانت تعمل لحساب شركةٍ فرنسية. مر بنا في حلقة ان شقة شارع الزرقطوني كان يكتريه رجلان أحدهما يشغل منصب مدير مصلحةٍ في احدى الوزارات. واسمه عباس الفارسي. أما صديقه الذي يقيم بالدار البيضاء فاسمه علي الشرواطي. كانت التحريات التي قام بها الباحثون على رأسهم العميد العامري أفضت إلى أن الرجلين عباس وعلي يتعاملان مع بقالٍ اسفل العمارة المجاورة للعمارة حيث توجد الشقة. علم العميد انهما كانا يستعملان الشقة خمسة وعشرين الموجودة في الطابق الخامس من العمارة لقضاء اوقاتٍ حميميةٍ مع خديلاتٍ انهن من بائعات الهوى المحترفات. كان الرجلان لما يرغبان في استعمال الشقة يتصل الواحد منهما بالبقال يطلب منه تزويد ثلاجة الشقة. كان قد اتفق معه ان يترك الباب موارباً بعد أن يضع البضاعة في الثلاجة. اذ ذاك تتسلل الواحدة من تلك النسوة الى الشقة دون أن تثير الانتباه. كان البقال في موقفٍ حرج صار من المشتبه فيهم إذ اكتشفت لديه نسخةٌ من مفتاح الشقة. ربما كان الحال اهون لو تعلق الأمر بسرقةٍ أو ولكنه يتوفر على شقةٍ عثر بها على جثة امرأة. هذا الموقف جعل البقال يبدي تعاوناً كاملاً مع المحققين. كان يسعى جاهداً الى الانفلات من نطاق الشبهة. صباح اليوم التالي الأحد كان العميد على موعدٍ مع عباس الفارسي. وكان الأخير سعى الى تسخير علاقاته بما يوفر له نوعاً من الحماية. وفي سبيل ذلك اتصل بمدير الشؤون الجنائية في وزارة العدل الذي اتصل بممثل النيابة العامة بالدار البيضاء. وأوصاه خيراً بالسيد عباس لكن دون التهاون في تطبيق القانون. مثل هذه المساعي لم تكن بالامر الجديد بالنسبة للعميد العامري. كان العميد يعي حساسية الموقف الذي يوجد فيه السيد عباس الفارسي. ولذلك كان حريصاً على تفادي تسرب الخبر الى وسائل الاعلام. وصل الرجل في الموعد المحدد. تبدل خطابه أمس واليوم. صار لابقاً بل أن ملامحه كانت تعبر عن نوعٍ من الاستعطاف. سأله العميد عن صلته بعتيقة بن راجي. ولكنه عوض الاجابة عن السؤال مباشرةً راح يشرح حساسية الموقف الذي يوجد فيه ويتسائل عن سيحدث لو علمت زوجته وابناؤه وبناته. في النهاية أقر بأنه كان يتخذ عتيق خليلةً منذ بعض الوقت. وأنه في المرة الاخيرة التي التقاها تركها كدابه في الشقة بعد أن راجعها. كان متفقاً معها على أن تغادر الشقة. أن يكون هو قد انصرف منذ فترة حتى لا يثير الشبهات. كان يطلب إبعاده عن قضية القتل. ولكن العميد اجابه بان بصماته موجودةٌ في كل مكانٍ في الشقة. وذكره بانه لا يحق له ان يغير شيئاً في الملف. لما استمع إلى أقواله طلب منه التوقيع على المحضر. وبعد أن تم أخذ عينةٍ من دمه لاحالتها على المختبر ودعه وطلب منه أن يبقى على استعدادٍ للمثول فور استدعائه. لم يتم وضع عباس الفارسي رهن الحراسة النظرية. ظهر ذلك الأحد في المست البلد للأموات باشر الطبيب الشرعي تشريح جثة الضحية. كان العميد محمد العامري وهو يغالب الارهاق الذي يعانيه يتابع عملية التشريح مرحلةً بمرحلة. وقد أكدت نتائجها الاولى الفرضية التي نطق بها الطبيب الشرعي عند مع الاولية للجثة. تأكد الآن أن المرأة الشابة عتيقة بن راجي إنما ماتت اختناقاً خنقها قاتلها بفترة الحمام الذي عثر عليه ممزقاً بالقرب من الفراش حيث انتهت مضيفة الطيران جثةً بلا حراك. قال الطبيب الشرعي أن عتيقة تعرضت للخنق اثناء استحمامها. وان جثته تحمل آثار علاقةٍ جنسية. ابعت لكشطٍ مهبلي وأحيل السائل على المختبر للتحليل. أكدت مصلحة التشخيص القضائي ان من بين البصمات التي اكتشفت في الشقة بصمة السيد عباس الفاسي كان رقم بطاقة تعريفه الوطنية كافيا للتحقق من ذلك فقد تفادى العميد احالة الرجل على التشخيص القضائي لأخذ بصماته. قرر عباس أن يمضي ليل الاحد الى الاثنين في ضيافة صديقه وشريكه في الشغل علي الشلواطي. في تلك الليلة لم يغمض للرجلين جفن. ظل يتدارسان كل الاحتمالات يفكران في كل الحلول الممكن منها والمستحيل. كان عباس الفاسي الموظف الثاني يعلم أن العميد قد يستدعي في الغد للمثول أمامه من جديد. من الأمور التي ظلت تحير العميد محمد العمري أن فريق مسرح الجريمة لم يعثر في الشقة على اثرٍ لبصمات البقال. بالرغم من انه اقر بانه كان يدخل الشقة وينقل اليها طلبيات علي الشلواطي او عباس الفارسي. فبادر الى ذهن احتمال ان يكون البقال كان يستعمل القفازات عندما يلج الشقة. أو أنه حرص على محو كل اثرٍ للدخول إليها. ولذلك قرر زيارته من جديدٍ في محله في ساعةٍ متأخرةٍ من مساء الأحد. وبينما كان في الطريق إليه مكالمة من مدير مختبر التحليلات. ابلغه بان ما استخرج من مهبل الهالكة يمثل سائلين منويين أحدهما بعباس الفاسي والثاني لشخصٍ غير معلوم. لما وصل طلب العميد من البقال ان يشخص امامه كيف كان ينقل طلبيات ليضعها في الثلاجة وكيف يغادر الشقة. جاءت اعادة تشخيص مطابقةً تماماً لما سبق أن أقر به الرجل. كان يتناول مفتاح الشقة الذي يضعه في الدرج حيث يضع المال المتحصل من تجارته. يأخذ البضاعة المطلوبة ثم يت الى الشقة يفتح الباب يتوجه الى المطبخ ويضع البضاعة في الثلاجة ثم يغادر تاركاً الباب موارباً. في طريق العودة رافق العميد البقال. ولما وصل المحل لاحظ العميد وجود مساعدٍ للتاجر يكن قد رآه من قبل. كان شاباً يقوم بتنظيف المعروض من الخضر. سأل عنه البقال فأكد له انه مساعده. تقدم العميد من الشاب وسأله عمن يكون. قال انه من اقرباء البقال يساعده منذ عدة أعوام في ترتيب البضائع وتنظيفها كما أنه يحمل الطلبيات الى منازل عددٍ من الزبناء. لاحظ العميد ان الشاب يرد على الاسئلة بسرعةٍ لافتةٍ للانتباه أنه أعدها من قبل وكأنه توقع الاسئلة التي تطرح عليه. وحتى لما سأله العميد أين كان في تلك الليلة يفترض أن عتيق بن راجي تعرضت فيها للقتل رد الشاب بشكلٍ شبه الي انه كان في عطلة. وذهب الى المدينة متفسحاً في شوارعها. لم يكن يتوقع أن يسأله العميد عما اذا كان هو من زود ثلاجة الشقة خمسة وعشرين ذاك المساء. رد الشاب بالنفي. بالنسبة للعميد فان الرجل من حيث لا يدري أكد أنه دخل الشقة من قبل. صار الآن في قائمة المشتبه فيهم شخصٌ جديد هو مساعد البقال. أمر العميد بنقل البقال ومساعده الى المفوضية يتعين على بصمتهم الجينية للتحليل. بعد تدوين أقوالهم في محضرين إخلاء سبيلهما وطلب منهما أن لا يغادرا محل البقالة. في ساعةٍ متأخرةٍ من الليل اوى العميد الى فراشه ولكنه لم يستطع النوم اذ ظلت القضية تشغل في الصباح اتصل بمدير المختبر يستعجله نتائج التحليلات. كان الأخير قد توصل بها لتوه ابلغه بأن السائل المنوي المجهول الذي استخرج من معدل الجثة إنما هو لمساعد البقال. المدعو موسى الناقور. صار ضرورياً الآن إخضاع موسى لاستنطاقٍ جديد. لما احضر فاجأه العميد بسؤاله عن المرة الاخيرة التي زار فيها الشقة المعلومة. أجاب كما في الاستجواب السابق أنه لم يزورها يوم تعرضت عتيقة للقتل. سأله عن محل سكناه فقال انه غالباً ما يبيت في الدكان كان يستأجر غرفةً في عمارةٍ بحي مولاي رشيد. قال إنه لا يذهب الى تلك الغرفة إلا حين يكون في عطلة. يقتضي التحقيق تفتيش تلك الغرفة. انتقل معه العميد الى حي مولاي رشيد. أخضعت الغرفة الى تفتيشٍ دقيق. لم يظهر ما يفيد البحث. وفي لحظة اخيرة نظر العميد في كأس من البلاستيك كان في الحمام. كانت به شفرات حلاقة مستعملة ومقص ومفتاح. تناول العميد المفتاح لم يكن به صدأ. بالرغم من رطوبة المكان. سأل العميد موسى عن المفتاح فادعى لا يتذكر مصدره. رأى العميد ان المفتاح جديد وقد يكون نسخةً استحدثت من وقتٍ قريب. لما عاد الى المفوضية قارن ذلك المفتاح بمفتاحٍ محجوز والذي كان في حوزة البقال. كانا متطابقين. نقل الى الشقة وتم إحضار البقال. تم استعمال المفتاح المحجوز والذي كان لدى البقال ففتح الباب. ثم تم استعمال المفتاح الذي عثر عليه في سكن موسى. ففتح الباب. اتصل العميد بعباس الفارسي وابلغه بما جد في القضية. قال له ظهر ما يبعد عنك جناية القتل. ومع ذلك فانه يتعين عليك الحضور الى المفوضية مصحوباً بزوجتك للاستماع الى شكايتها المحتملة. في شأن الخيانة الزوجية التي تظل متابعاً فيها. أدلى موسى النقور باعترافاتٍ مفصلة. انه لاحظ تردد نساءٍ حسناوات على الشقة خمسة وعشرين. وقبل بضعة اشهر تمكن من استنساخ المفتاح كان يستغل الشقة للقاء بفتياتٍ أغلبهن من الخادمات في تلك العمارة. لما رأى عتيقة انتظر ان يذهب عباس الفارسي. ولما تسلل الى الشقة. كانت عتيقة في الحمام. باغتها حاول الإمساك بها من الخلف. قاومت قاومت بقوة. امسكت بستارٍ بلاستيك للحمام وخنقها به. كفت عن المقاومة. جرها الى الفراش. راجعها وتركها ملقاةً دون غطاء ثم غادر المكان. كان العميد على موعدٍ صباح الثلاثاء مع عباس الفاسي وزوجته لإقفال الملف. ولكنه لم يأت في الموعد. اتصل به على هاتفه المحمول. لم يكن يجيب. ولما به في مكتبه إجابته الكاتبة قالت انه مات أمس في حادثة سير. علم العميد لاحقاً أن عباس الفاسي لم يتقبل ضرورة إحضار زوجته الى المفوضية كان يخشى الفضيحة. كانت القضية تهيمن على كل حواسه. لم وهو يسوق سيارته على الطريق السيار بين الرباط والدار البيضاء أنه يسير بسرعة مائةٍ وثمانين كيلو متراً في الساعة. في لحظة حاول تجاوز شاحنة. ولكنه تنبه إلى أن سيارةً أخرى كانت بصدد التجاوز. اصطدمت سيارته الشاحنة. لم يتبقى منها سوى صندوق الامتعة. والكراسي الخلفية. ملفاتٌ بوليسية.